أقفُ منذ نصف ساعة أتأمَّل الطريق مِن نافذتي. مرَّت سيِّدة عجوز تقود درَّاجةً هوائية، ومرَّت حمامة، عدا ذلك لَم يمرَّ أحد، ولَم أسمع صوت أحد، لا صوت بشرٍ ولا طيرٍ ولا حجر.
شعرتُ للحظات أنَّني أتفرَّج على صورة ثابتة، لا على مشهد حيّ، تذكَّرتُ أخيرًا أنَّ اليوم أحد وزال استغرابي؛ فهذا اليوم عدا عن كونه يوم عطلة، هو يومٌ بليد في ألمانيا، يوم بليد وكئيب وموحش؛ فلا حركة في الشوارع، ولا في البيوت، ولا حركة في السماء، ولا على الأرض.
أحيانًا أتخيَّل أنَّ سُكَّان هذا البلد يتكلَّمون يوم الأحد بلُغة الإشارة كي لا يقطعوا خيط الصَّمت البليغ والهدوء الوجودي في هذا اليوم.
وفي الأطراف حيث أقطن، يغدو المشهد أكثر تراجيديَّة وأشدَّ ثقلًا بما يشبه مراسم الحداد، أو مشاهد حظر التّجوال؛ إذ يشعر الأجنبي أيام الآحاد في تلك المناطق بالوحدة، ووطأة الغربة، وأنَّه يعيش مائة عام مِن العزلة.