لماذا حضارات العصر المحوري وعظماؤه؟
يُقدِّم هذا الكتاب لمحة معمّقة عن واحد مِن أهم العصور الذهبية الإنسانية التي أحدثَت ما يمكن وصْفه بنقلة فكرية تنويرية سادت في خمسٍ مِن أعرق المناطق الجغرافية في العالم، والتي تتَّسِم بديمغرافية متجذِّرة أصيلة، تلك المناطق هي "اليونان"، "بلاد فارس"، "الهند"، "الصين"، "بلاد الشام والرافدين"، حيث ظهرَت مجموعة كبيرة مِن أشهر الفلاسفة والعلماء الذين أحدثوا تغيُّرات وآثارًا عظيمة عندما حملوا على عاتقهم مهمَّة النهوض بذلك العصر والارتقاء بأناسه روحيًّا وفكريًّا وأخلاقيًّا، منهم "سقراط" في اليونان، و"زرادشت" في بلاد فارس، و"بوذا" و"ماهافيرا" في الهند، و"كونفوشيوس" في الصين، و"إشعياء" في بلاد الشام والرافدين، بالإضافة إلى كثير مِن الفلاسفة والعباقرة الآخَرين.
تلخَّصَت مهمَّتهم الجليلة في نقل الفكر البدائي السائد قديمًا، مِن فِكر يعتمد على عبادة مجموعة كبيرة مِن الآلهة، ومنها بعض مظاهر الطبيعة، إلى فِكر آخَر هو أكثر رقيًّا، يقود إلى عبادة إله واحد يركِّز في جوهره على الأخلاق، ويسمو بالسلوك الإنساني إلى المرتبة التي تليق بإنسانيَّته وتحترم عقله، مِمَّا أدَّى إلى نهضة كبيرة في المجتمعات، والفلسفة، والعلوم والمعارف.
لذلك أعتقِد أنَّه باستطاعتنا أن نجد إلهامًا في الفترة التي سمَّاها الفيلسوف الألماني "كارل ياسبرز" العصر المحوري؛ لأنها كانت بحقّ فترة محوريَّة مؤثِّرة في تطوُّر البشرية الروحي، مِن نحو عام (900) ق.م إلى عام (200) ق.م
لقد كان العصر المحوري واحدًا مِن أهمِّ الفترات في التحوُّل الفكري والنفسي والفلسفي وحتَّى الديني في التاريخ البشري المدوَّن، ولَم يكن هنالك ما يماثله حتَّى التحوُّل الغربي العظيم الذي أوجد حداثتنا العلمية والتقنية.
إنَّ علماء هذه الفترة ركَّزوا على الأهمية الكبرى لرسائل المحبَّة والتسامح والأخلاق الإنسانية الفاضلة، فمِن العدل مِنَّا أن يستحقُّوا هذه الإضاءة وهذا التذكير.









