فبرغم الانكسار والاندثار والثورة، كانت الغربة حلاً وحيداً لترميم معالم النفس التي هتكتها الجروح، فكانت أمريكا هي المكان الذي وُلدَت وترعرعَت فيه هذه الخواطر بكل تناقضاتها، حيث تكتب المشاعر حيناً،
خواطرها بوحاً حزيناً يصور حالة الشجن المسيطر على نبضات قلب مكلوم، يتبعه شوق جارف لرؤية المستحيل، وحيناً آخر تكتبها وجداً بكل معاني الشغف.. وفِي أحيانٍ يستنفر العقل أفكاره ليكتب فكراً مصبوغاً بألوان الوجد والشجن.
هكذا كانت خواطري تتشكل، ولا أنسى الأجواء المناخية التي صبغت كل كتاباتي في سنوات الغربة، بكل التنوع المناخي، سواء الكتابات التي أنشرها في هذا الكتاب كخواطر وأفكار، أو التي ستنشر في رواية قادمة. فكان للخريف المتعدد الألوان الزاهية قبل تساقط الأوراق وبعدها، والثلوج المتراكمة البياض، واخضرار الربيع، ودفء الصيف على ضفاف البحيرات والأنهار،
كان لها جميعها دورٌ في رسم ملامح الشجن على لوحات كلماتي وخواطري بألوان تجعل للوجع طعماً لذيذاً، مثلما تصور بوح وجداني كعاشق يعيش أجمل لحظاته وهي تعكس ما يختلج في النفس التي اختارت غربتها كي تتوحد مع سمفونية البكاء؛
فتجعل من الدموع قصائد عشق ورثاء تتداوى بها كلما أوشكت أن تذوب بفعل قسر أحزانها، أو بفعل جنوح الوجد الذي يرفض أن يتنازل عن جمال نبضه رغم قسوة القدر.