دعونا نتخيَّل أنَّ الكَون كائن حيٌّ، وفي الحقيقة هذا التخيُّل ليس تمامًا بعيدًا عن الحقيقة؛ فقد كشف لنا علم الكونيَّات كثيرًا مِن الحقائق التي تؤيِّد هذا المفهوم، فبداية الكون كانت مِن نقطة صغيرة سمَّيناها "التفرُّد" وكأنَّها الخليَّة الأولى التي تحمل في طيَّاتها "الشفرة الجينية" لكلِّ ما سيكون: الطاقة، والمادَّة، والزَّمان، والمكان، ومنذ انطلاق تلك النقطة والكون أبعد ما يكون عن السُّكون، فكلُّ شيءٍ فيه يُوحي بالحياة، مجرَّات تدور في حركة مستمرَّة، نجوم تَفنَى وأخرى تُخلَق، وثقوب سوداء تبتلع كلَّ ما يقترب منها، والكون كلُّه يكبر ويتمدَّد بلا توَقُّف فيما لا أحد يَعلَم.
وفي الواقع إنَّ التَّشابُهَ بين قصَّة خلق الكون وخلق الإنسان تَشابُه لافت للنظر، ففي كلتا الحالتين يمكننا أن نرصد مرحلة "حياة جنينيَّة" في حالة الكون امتدَّت لِمَا يقرب مِن خمسمائة مليون سنة، وانتهت بمولد الجيل الأول مِن النجوم الذي بالفعل يمثِّل المولد الحقيقي للكون، تلا ذلك مراحل تكوَّنَت خلالها أجيالٌ بعد أجيال مِن النجوم، خلالها كان النمُوُّ العضوي والإعداد الوظيفي للكون الذي استغرق ما يقرب مِن تسعة مليارات سنة، بعدها أصبح الكون مستعِدًّا لنشأة المجموعة الشمسيَّة، ومِن ثَمَّ بداية الإعداد للحياة على أحد كواكبها.
هذه ليست وجهة نظر فلسفيَّة، بل هي وصف واقعيٌّ قائم على الأدِلَّة العلمية وفقًا لنموذج نظرية الانفجار العظيم.
هذا الكتاب هو رحلة للناس العاديِّين، مِثلك ومِثلي تمامًا، الذين يريدون فهم الحقيقة العلمية وراء وجودنا.
سوف نفهم مظاهر الإعجاز التي تملأ هذا الكون الرائع مِن أصغر ذرَّاته إلى مجرَّاته الضخمة، ولا يمكن لأيّ شخص لدَيه منطق عادل وسليم أن ينكر أنَّ وراء ذلك التصميم الرائع خالقًا مبدعًا.