لم أعرف التشرّد في الشوارع فمكاني دوماً الأحضان، أنعم بالدفء والدلع، وحتى أثناء النوم لا أحمل همّ الغطاء فهناك من يغطيني بلحاف يحويني مع دلّوعة البيت الرقيقة "سوسو".
وضعي الآن اختلف تماماً، إذ أصبحت أتسكّع من رصيف إلى آخر، ومن زقاق إلى ممر، وحتى القيلولة التي كنت أنعم بها تحت هواء مكيف غرفة الصغيرة، فقد أصبحت أتّقي لهيب الشمس أسفل السيارات المتوقفة في الحي، وحرارة الأسفلت تشوي جلدي. حين شاهدني قط عجوز بالكاد تحمله قوائمه نظر نحوي طويلاً وهو يهز ذيله قائلاً:
"مثلما راكمَ الدلال شحمَ أفخاذك، ستذيب لواهيب المدينة حتى هدب عيونك يا الأشهب".