الصحة العقلية في مكان العمل: الفهم والتعامل والازدهار

الصحة العقلية في مكان العمل: الفهم والتعامل والازدهار

 

1- المقدمة:

 

هل تعلم أنَّ حالات الصحَّة العقلية مسؤولة عن أكثر مِن 12 مليار يوم عمل ضائع سنويًّا؟

 

تعكس هذه الإحصائية المذهلة التأثير المتزايد للصحة العقلية على إنتاجية مكان العمل في عالم، حيث يُتوقَّع مِن الموظَفين بشكل متزايد التوفيق بين أعباء العمل العالية، والمواعيد النهائية الضيِّقة، والمسؤوليَّات الشخصية، وقد أصبحَت الصحة العقلية مكوِّنًا حيويًّا للنجاح المهني.

في هذه المدوَّنة سنستكشف تاريخ الوعي بالصحة العقلية في أماكن العمل، والتحدِّيات الحالية، والحلول العملية لمساعدة كلٍّ مِن الموظَّفين وأصحاب العمل على الازدهار في بيئة عمل أكثر دعمًا.

 

2- أصل الوعي بالصحة العقلية في أماكن العمل:

 

العصر الصناعي المبكِّر:

خلال الثورة الصناعية، لَم يكن هناك أي اهتمام يُذكَر بالصحة العقلية للعُمَّال، كان العمل موجَّهًا في المقام الأول نحو المهام، مع التركيز الشديد على الإنتاجية والكفاءة، وغالبًا على حساب الصحة العاطفية والنفسية.

كانت المصانع مدفوعة بالإنتاج، وكانت الاحتياجات العاطفية للموظَّفين نادرة جدًّا، وإذا كان معترَفًا بها.

 

التحوُّلات التي أعقبَت الحرب العالمية الثانية:

بعد الحرب العالمية الثانية، بدأَت ديناميكيات مكان العمل في التحوُّل، وظهرَت بيئات الشركات المنظّمة، وكذلك مفهوم برامج مساعدة الموظَّفين، وفي حين كانت هذه البرامج أساسية في كثير مِن الأحيان، إلا إنها كانت بمثابة بداية لتركيز جديد على رعاية الموظَّفين.

 

 

الوعي الحديث بالصحة العقلية (أواخر القرن العشرين - العصر الحاضر):

منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين فصاعدًا، بدأ الحديث يتطور حول الصحة العقلية في مكان العمل، واكتسب البحث في الإجهاد والإرهاق قُوَّة دفْع، مِمَّا أدَّى إلى تقديم برامج إدارة الإجهاد ومبادرات صحَّة الموظَّفين، كما بدأَت منظَّمات مثل منظمة الصحة العالمية في الدعوة إلى الصحة العقلية كمكوِّن أساسي لسلامة مكان العمل، مِمَّا عزَّز أهميَّتها بشكل أكبر.

 

3- لماذا تهمّ الصحة النفسية في مكان العمل الحديث؟

أثرها على الإنتاجية:

يُعتبَر القلق والاكتئاب مِن الأسباب الرئيسة لفقدان الإنتاجية، مِمّا يساهم في تكبُّد مليارات الدولارات مِن التكاليف الاقتصادية على مستوى العالم.

تُبرز منظمة الصحة العالمية أنَّ الاكتئاب وحده يؤدِّي إلى أكثر من 200 مليون يوم عمل مفقود سنويًّا، مِمَّا يؤثِّر على كلٍّ مِن الشركات والأفراد.

ضغوط العمل:

تُعَدُّ الأحمال الثقيلة، ونقص السيطرة، وسوء التوازن بين العمل والحياة، مِن أكثر ضغوط العمل شيوعًا اليوم.

تساهم هذه الضغوط في الإرهاق والتحدِّيات الصحية النفسية، مِمَّا يبرز الحاجة إلى بيئات عمل أكثر دعمًا تُعطي الأولوية للرفاهية إلى جانب الإنتاجية.

الاتجاهات الحالية في برامج الصحة في مكان العمل:

تقوم العديد مِن الشركات اليوم بتنفيذ برامج صحية تهدف إلى معالجة هذه القضايا.

أصبحَت المبادرات مثل أيام الصحة النفسية، وترتيبات العمل المرنة، وبرامج اليقظة العقلية طُرُقًا شائعة للشركات لدعم الصحة النفسية لموظَّفيها.

4- كيف يمكن لأرباب العمل تعزيز بيئة عمل داعمة؟

بناء ثقافة الانفتاح:

تعزيز التواصل المفتوح أمر حاسم لإنشاء مكان عمل صحِّي نفسيًّا. يمكن لأرباب العمل تقليل وصمة العار المحيطة بالصحة النفسية مِن خلال تشجيع التحقُّق المنتظم، وتوفير أنظمة تغذية راجعة مجهولة، وتقديم تدريب على الصحة النفسية للمديرين.

سياسات دعم الصحة النفسية:

 تُعتبَر ترتيبات العمل المرنة، وبرامج المساعدة للموظَفين (EAPS)، والوصول إلى استشارات مهنية سياسات رئيسة يمكن أن تُحسِّن بشكل كبير مِن الصحة النفسية للموظَّف.

توفِّر هذه السياسات شبكة أمان للموظَّفين الذين قد يواجهون ضغوطًا أو قلقًا أو تحدِّيات أخرى.

الترويج لموارد الصحة النفسية:

يمكن لأرباب العمل أيضًا تعزيز الصحة النفسية مِن خلال توفير الوصول إلى موارد قَيِّمة، مثل الكتب، وورش العمل حول الرفاهية النفسية، ولا يُظهِر ذلك فقط للموظَّفين أنَّ صحَّتهم النفسية مهمَّة، بل يُجهِّزهم أيضًا بالأدوات اللازمة لإدارة ضغوطهم بشكل أكثر فعالية.

 5- تعزيز الصحة النفسية مِن خلال القراءة:

قوة القراءة للصحة النفسية:

يمكن أن تكون الكتب أداة قوية للصحة النفسية والنموِّ الشخصي. مِن خلال الغوص في صفحات قراءات ملهمة ومفيدة، يمكن لكلٍّ مِن أرباب العمل والموظَّفين اكتساب وجهات نظر جديدة، وتعلُّم إستراتيجيَّات لتحسين الصحة النفسية في مكان العمل.

إليك خمسة كتب يمكن أن تدعم الرفاهية النفسية:

"Quiet Chaos" لجيسون ر. سوليفان:

يتناول كتاب "فوضى هادئة" القلق، وهو أكثر مشكلات الصحة النفسية شيوعًا، مِن خلال تقديم منظور جديد للعلاج.

بدلًا مِن تعزيز فكرة العمل بجدّ أو التَّظاهر بالسعادة، يبرز الكتاب قيمة النِّضال وأهمية الألفة في التعامل مع القلق. كما يشجِّع على حوار مفتوح بين المؤلف والقارئ، مِمَّا يساعد في تحقيق تحوُّل في مفهوم الذَّات ورؤية العالم.

"Teaching Disorders" سميرة الحوسني:

يدعو هذا الكتاب القُرَّاء للتفكير في معتقداتهم وأفكارهم وأيديولوجياتهم، متسائلين عن أصولها وتطوُّرها عبر الزمن.

يستكشف كيف تؤثِّر عملية التعليم والتعلُّم على فهمنا للحياة، ويتناول الفجوات في المعرفة وسوء الفهم الذي قد يحدُث.

تفحص المؤلفة "اضطرابات التعليم" التي يمكن أن تشكِّل وجهات نظرنا، بهدف تعميق فهمنا لكيفية تشكيل أفكارنا ومعتقداتنا خلال رحلة التعلُّم.

"Transformative Wellness"رزان علي:

يوضِّح هذا الكتاب خمسة علاجات فعَّالة تجمع بين الشِّفاء بالطاقة، وعلاج الجسم، وتنظيم الجهاز العصبي للتعامل مع آثار الاعتداء العاطفي، والجسدي، والجنسي، وكذلك الانفصامات الطفولية.

 يتضمَّن تدفُّق يوغا جسمانية مبتكَرة لتحرير الغضب والقلق المتجذِّر، وأيواهواسكا لتخفيف نوبات الهلع والاكتئاب، وتمارين تحرير الصدمات مِن تأليف ديفيد بيرسلي للمساعدة في استرخاء الجهاز العصبي.

بالإضافة إلى ذلك، يستكشف استرجاع الروح الشاماني، وطريقة حركة الروح لعلاج الانسدادات الطاقية، واستعادة الشعور بالكمال والقيمة الذاتية.

"Last Words" موزة حمدان الجهوري:

يلتقط هذا الكتاب رحلة مِن الارتفاعات والانخفاضات العاطفية، معبِّرًا عن الطبيعة العابرة للسعادة والحزن.

يستكشف موضوعات النموِّ الشخصي، واكتشاف الذَّات، والصراع بين الأصالة والأقنعة التي نرتديها.

 في النهاية، يطرح تساؤلات حول طبيعة الحقيقة والهويَّة، داعيًا القُرَّاء للتفكير في تجاربهم الخاصة ومرونتهم.

"Be Positive (B+)" حسام صبحي محيي الدين:

يقدِّم مهارات حياتية لتعزيز التفكير الإيجابي مِن خلال أفعال للسعادة، مهارات للعقل لاختيار مساره الإيجابي، تعزيز العادات الإيجابية لتشكيل العقل الإيجابي.

يمكن للقُرَّاء البدء في أي قسم، مِمَّا يجعله متاحًا لكلٍّ مِن المتخصِّصين والجمهور العام.

يشجِّع الكتاب على التفاعل الواعي مع مهاراته بأسلوب بسيط وسلِس، مِمَّا يعزِّز التفاؤل ويدعو إلى التأمُّل.

بشكل عام، يقدِّم نهجًا جديدًا للكتابة التفاؤلية لتجربة قراءة ممتعة وذات مغزًى.

6- خطوات عملية للأفراد: إعطاء الأولويَّة لصحَّتك النفسية في العمل:

ممارسات العناية الذاتية:

إنَّ ممارسات العناية الذاتية البسيطة والفعَّالة، مثل أخذ فترات راحة منتظمة، ووضع الحدود، والبحث عن المساعدة المهنية عند الحاجة، يمكن أن تُحدِث فرقًا كبيرًا في الحفاظ على الرفاهية النفسية في العمل.

بناء شبكة دعم:

يُعتبَر وجود شبكة دعم في العمل أمرًا أساسيًّا، وقد يتضمَّن ذلك تشكيل مجموعات من الأقران، أو الانضمام إلى مجتمعات دعم الصحة النفسية، أو ببساطة التواصل مع زملاء موثوق بهم.

استخدام القراءة كعلاج:

يمكن أن تكون الكتب شكلًا مِن أشكال العلاج؛ حيث تقدِّم وجهات نظر جديدة وراحة خلال الأوقات الصعبة.

مِن خلال دمج القراءة في روتينك اليومي، يمكنك اكتساب المعرفة والراحة أثناء تحسين صحَّتك النفسية.

7- الخاتمة:

في بيئة العمل السريعة اليوم، أصبحَتِ الصحة النفسية أكثر أهميَّة مِن أي وقت مضى، ومِن خلال الاعتراف بأهميَّتها، وتعزيز البيئات الداعمة، واستخدام الموارد مثل الكتب وبرامج الصحة، يمكن لكلٍّ مِن الأفراد وأرباب العمل إحداث تأثير دائم على رفاهية مكان العمل.

اتَّخِذ خطوة اليوم، أعطِ الأولوية لصحتك النفسية، واستكشِف الكتب الموصَى بها، وانضمّ إلى الحوار حول إنشاء أماكن عمل أكثر صحة وتعاطفًا.

تواصَل مع دار أوستن ماكولي للنشر لمزيد مِن المدوّنات المماثلة، وقدِّم مخطوطتك إذا كنتَ ترغب في نشر عملك.

يمكنك أيضًا تقديم طلب سريع وسهل مِن خلال نموذج التقديم عبر الإنترنت.

ابقَ على اطِّلاع بإصداراتنا الجديدة وأنشطتنا مِن خلال الانضمام إلى عائلتنا مِن المؤلِّفين والقُرَّاء على فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام.